Sunday, July 10, 2016

عشرون يوما تأثر الخبرات والذكريات النفيسة على القلوب

           كل إنسان عادي أو طبعي يحتاج إلى العلوم احتياجا مطلقا، ليس فقط من العلوم العامة أو العصرية إجباريا كان أو إختياريا لدى طالب العلم بل العلوم الدينية أهم منها، لسعادة حياته في ما بعد من دار العمل إلى دار الجزاء. لا أحد يقول أن العلم هو شيء باطل بل الناس جميعا يكرم العلم وأهله، بأنهم قد عرفوا إلى أهمية العلوم في هذه الحياة الفانية. وكما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد". هذا هو التشجيع علينا، أن طلب العلم لا حاد له بمعنى يلزم على كل فرد من الناس أن يتعلم ويدرس طول حياته صغيرا كان أو كبيرا، مسكينا كان أم غنيا دون أن يقول منهم أنا شيخ بس لا أستطيع أن أركز إلى العلم وأنا مسكين ما لدي النقود لأجرة طلب العلم وفضلا أن هذا الأمر يحتاج إلى المبلغ الكبير إما للشهرية وإما لمصروف العيش وإما الأجهزة والوسائل العامدة على كمال عملية التعلم كالحاسوب المحمول والكتب وغيرها.
            بعون الله تعالى عز وجل، قد اننتهيت من الدورة الرمضانية لتعمق هذه اللغة الشريفة الذي نطق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأفصاح اللغة العربية بنتيجة جيدة جدا. قد قام بهذا البرنمج طلاب المعهد دار اللغة والدعوة – بارك الله فيكم جميعا – وأساتيذهم النجباء والكرماء خلال عشرين يوما. هذا البرنمج سنوي، وفي كل سنة يزيد المشترك تضاعفا ضخما عظيما لعدم المبلغ و الكراء، كل شيء مجان من جهة الإفطار والسحور إلا للتسجيل بعشرة ألف روبية و شراء الكتب االمعينة بمائة وخمسين ألف روبية. هذا دليل من أحد الدلائل بأن في طلب العلم طرقا متنوعة تسهل على طالب العلم في التعلم.
            المشتركون فيها كثيرون جدا، تقديرا خمس مائة طالبا وأربع مائة طالبة من المعاهد والمدارس بأنحاء بلاد إندونيسيا بمختلف العمر واللغة. يوجد فيها طلاب من جزيرة مادورا ولومبوء وكاليمانتان وباجوواعي وبندونج وما إلى ذلك من المدن المتعددة. هم جاؤا إلى هذا المعهد لإثبات محبتهم إلى لغة حبيب الله محمد. ولو كان بعض منهم من المتزوجين لايغلب عليهم الحياء، بأن في صميم قلوبهم همة كبيرة للتعمق والتبحر في لغة القرآن، حتى لايبالوا لعمره ومسؤوليتهم إلى زوجتهم وأولادهم في البيت. يا لها الحياة الرائعة !. ومعظمهم من طلاب المدرسة المتوسطة والثانوية الذين يقضوا أيام عطلتهم للتعلم في المعهد، وكان منهم طالب الجامعات والمعاهد السلفية التي ليست فيها المدرسة الحكومية، هم يتفقهوا في العلوم الدينية ويعتمدون على الكتب التراثية من مؤلفات العلماء العارفين بالله. فإذا، هم يتعلمون عن مهارة الكلام والكتابة فقط. وأما مهارة القراءة فأعتقد جدا بأنهم يقدرون جدا جدا على هذه المهارة، لأن طول أيامهم مملوءة بالقراءة. و لاشك على أنهم يحفظون الأنظمة النحوية والصرفية طلاقة باستمرارهم في ذلك المجال. نحن جميعا مسرورون جدا بوجود هذه الدورة ولو كان ضياع الأمتعة يحدث مرارا وتكرارا منا، على سبيل المثال النعل والسروال والملبس وغيرها. شكرا جزيلا يا دلوا !!
            في البداية أنا متحير في اختيار الفصل أو المرحلة، لأن في هذه الدورة ثلاث مراحل وهي المرحلة الابتدائية والمرحلة المتوسطة والمرحلة العالية أو العليا. وبعدما فكرت مدة، عينت الفصل المتوسط نظرا إلى قليل المعلومات التي عرفتها. وفي فصلي ثمان وعشرون طالبا بمختلف العمر والمدينة، ولكن ينقص منا ثلاثة طلاب بعدم الاستراحة ليسكنوا هناك مدة عشرين يوما. وقضينا المناظرة العلمية عندما لايحضر الأستاذ إلى الفصل بالموضوع أو القضية هدم مصنع السجارة بإندونيسا و العلم خير من المال. وفي بعض الأحيان، نملؤ وقت الفراغ بالمحادثة حول الخبريات من معهد إلى معهد آخر ومطالعة المفردات الجديدة مع الأصحاب الأحباء. أو نتناوم على السرير حتى يغلبنا النوم بحق. ولكن الآسف، على السرير مملوء بالحيوانات التي تسمى بـــ "البق". ورائحته كريهة جدا تزعج الأنوف التي شمت. لا أحد يرغب عنها، بل كثير من الناس يرغب عنها جدا لأنها تعض وتمص دمائنا دون العفو.
            تذكرت بأحد الوقائع بذلك المعهد، كل بعد صلوات الخمس نقرأ الأوراد كانهضيين. ففي أول مرة نحن نضحك بالعمل العادي هناك وهو تدوير اليد اليمنى على سائر جوانب الرأس وقال سور ثلاث مرات. وبعدما نتعود به فلا نضحك مرة أخرى، لأن الغرض من هذا العمل لأمنية الجسد والبدن من السحر ومثله. والواقع الثاني في انتظار وقت الإفطار نجلس جميعا بطرف المسجد الخلفي مع قراءة "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، أستغفر الله نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار" حتى يأتي أذان المغرب. وحينئذ، بعض لجان هذه الدورة يقول "كل واحد واحد"، هذه العبارة القصيرة شائعة جدا في آذان المتخصصين ولهجتها خاصة جدا فلن ننساها أبدا، لأنها تنطق كل مساء اليوم انتظارا لوقت الإفطار.
            وعند السحور، غرفتي الرابعة يقسم سكانها لأخذ الرز والإدم وكذلك أخذ المياه بالقوارير على الجدوال المعين. وأنا نفسي رئيس الغرفة، يختارونني أصدقائي لهذه المسؤولية بعد افتتاح هذه الدورة. ومن أوجبتي هي جمع الهواتف ومشاحنها لأعطيها إلى الأستاذ أنصاري كقسم الأمن ثم استرجاعها لصاحبها بعد عشرين يوما. عادة، يتسابق بعضنا بعضا لأخذهما (الرز والإدم) حتى يحدث السقط، ولكن هذا الشيء يقربنا بقرابة المصاحبة والصديقة. ومن الأشياء الغريبة، عذب الإدم ونقصانه أو المرق وغير نضج الرز. تلك تصبحنا مضحكا و قهقهة كلما تسحرنا. سبحان الله، قد ماض منا عشرون يوما بسريعة دون شعور، ولا يبقى منا إلا الذكريات الحارة التي قد مررناها جماعيا ثم سوف نشتاقها على الدوام إلى العود مرة أخرى شوقا عميقا. ها هي الحياة !


" لو ذقتم حلاوة الوصلة، لشعرتم مرارة القطيعة "